السعي من أجل البطولة - Морган Райс 2 стр.


ظهر دويّ كبير, اندفع سكان المدينة خارج منازلهم, يملئون الشوارع. سحابةٌ من الغبار المتزايد تبشّر بقدوم القافلة. بعد لحظات وصلوا, اثنا عشر عربةً تجرها الخيول مع ضوضاء مثل الرعد العظيم.

جاؤوا إلى المدينة كجيش مفاجئ, توقفوا أمام منزل تور. قفزت أحصنتهم في المكان وهي تصهل. أخذت سحابة الغبار وقتا طويلاً حتى تلاشت. تور حاول بشغف سرقة نظرةٍ خاطفةٍ على دروعهم و أسلحتهم. لم يقترب من فرقة الفضة هكذا من قبل, كان قلبه يخفق بسرعة.

ترجل الجندي من على الحصان الرمادي. إنه هنا, عضو حقيقي من فرقة الفضة, مغطىً بدرع دائري لامع, ويحمل سيفاً طويلاً على حزامه. مظهره يوحي بأنه في الثلاثين من عمره, رجل حقيقي بلحيةٍ على وجهه, وندوب على خده, وأنف أعوج من المعارك.

كان هذا الرجل الأكثر أهمية الذي قد رآه تور طوال حياته, عريض المنكبين كالآخرين, مع طلعة تقول أنه في مهمةٍ ما.

قفز الجندي إلى آخر الطريق الترابي, خيله يجلجل وهو يقترب من صف الفتيان.

توقف الفتيان من أعلى وأسفل القرية بانتباه, على أمل. الانضمام إلى فرقة الفضة كان يعني حياة الشرف و المعركة و الشهرة, تعني المجد مع الأرض, و اللقب و الثروات. ذلك يعني أفضل عروس و أرضاً مختارة وحياة مجد. ذلك يعني تكريماً لعائلتك, دخول الفيلق كان الخطوة الأولى.

تمعن تور بالعربات الذهبية الكبيرة, وعرف أنها يمكن أن تحمل الكثير من المجندين. كانت مملكة كبيرة, وكان لديهم العديد من المدن لزيارتها. شعر بنفسه قد اختفى, عندما أدرك أنها فرصةٌ بعيدةٌ أكثر مما كان يتوقع. يجب أن يتغلب على هؤلاء الفتيان الذين كان كثير منهم مقاتلون كبيرون بجانب إخوته الثلاثة, كان يشعر أنه يغرق.

كان تور بالكاد يستطيع التنفس والجندي يسير بخطى في صمت, يدرس صفوف الطامحين. بدأ من الجانب البعيد من الشارع, ثمّ استدار ببطء. تور عرف كل الفتيان الآخرين. و بطبيعة الحال كان يعرف أن بعضاً منهم لا يريدون أن يتم اختيارهم, على الرغم من أسرهم تريد إرسالهم. كانوا خائفين جداً, لو حصل ذلك من الممكن يكونوا جنوداً رديئين.

كان قلب تور من الإهانة, لقد شعر أنه يستحق أن يُختار بقدر كل منهم. فقط لأن إخوته كانوا أكبر وأقوى منه لا يعني أنه لا يملك الحق في الترشح وأن يتمّ اختياره. كان يحترق من الكراهية لوالده, كان سينفجر خارج جسده كلما اقترب الجندي.

توقف الجندي أمام إخوته, لأول مرة. كان ينظر إليهم من الأعلى إلى الأسفل, وبدا معجباً. وصل إليهم أمسك واحداً من أغمادهم وانتزعه وكأنه يختبر مدى رسوخه.

كسر صمته بابتسامة.

"لم تستخدم سيفك في معركة من قبل, هل فعلت؟" سأل الفارس ديريك.

رأى تور أخوه ديريك متوتراً لأول مرة في حياته.

"لا يا سيدي. ولكنن استخدمته مرات عديدة في التدريب, وآمل أن.."

"في التدريب!"

زمجر الجندي مع الضحك, واتجه إلى الجنود الآخرين, الذين انضموا, ضاحكاً في وجه ديريك.

تحول وجه ديريك إلى الأحمر الفاقع. لم يرى تور أخوى ديريك محرجاً من قبل, بالعادة ديريك هو من يحرج الآخرين.

"حسناً يجب أن أخبر الأعداء بالخوف منك بالتأكيد, أنت الذي يحمل سيفه في التدريب!"

ضحك حشد الجنود مرة أخرى.

ثم التفت الجندي إلى إخوة تور الآخرين.

"ثلاثة فتيان من نفس العائلة" قال الجندي, وهو يفرك لحيته. "هذا يمكن أن يكون مفيداً. أنتم كلكم بحجم جيد و لكن من غير خبرة, ومع ذلك سوف تحتاجون المزيد من التدريب إذا كنتم ستنضمون إلى لائحتنا."

توقف الجندي.

"أعتقد أنه يمكننا أن نجد غرفة, "

أومأ إلى العربة الخلفية.

اصعدوا, وبسرعةٍ قبل أن أغير رأيي."

انطلق الأشقاء الثلاثة إلى العربة, مبتهجين. لاحظ تور أن والده كان مبتهجاً أيضا.

لكنه كان محبطاً وهو يشاهدهم يرحلون.

التفت الجندي وانتقل إلى المنزل التالي, لم يعد بإمكان تور الوقوف.

"سيدي!" صاح تور.

التفت والده وحدق في وجهه, لكن تور لم يعد يهتم.

وقف الجندي, ظهره لتور والتفت ببطء.

أخذ تور خطوتين إلى الأمام, قلبه ينبض, ويتمسك بصدره قدر ما يستطيع.

"لم تنظر إليّ يا سيدي."

كان الجندي مندهشاً, نظر إلى تور من الأعلى إلى الأسفل لعلها تكون مزحة.

"أنا لم انظر إليك؟" سأل الجندي وانفجر في الضحك.

انفجر رجاله في الضحك أيضاً. ولكن تور لم يهتم, كانت هذه لحظته. الآن أو أبداً.

"أريد الانضمام إلى الفيلق!" قال تور.

اقترب الجندي من تور.

"هل أنت الآن جاهز؟"

كان ينظر مستمتعاً, صمت قليلاً ثمّ أكمل حديثه.

"وهل وصلت إلى سنة الربعة عشر ؟"

"لقد فعلت, سيدي. قبل أسبوعين"

"قبل أسبوعين!" صرخ الجندي مع ضحك, كما فعل رجاله وراءه.

"في هذه الحالة, يجب على أعدائنا أن يرتعشوا أمامك."

شعر تور أنه يحترق من الإهانة, كان عليه أن يفعل شيئاً. لا يمكن أن يسمح بنهاية مثل هذه. بدأ الجندي بالمشي بعيداً ولكن تور لم يكن ليسمح بذلك.

اندفع تور إلى الأمام وصاح:" سيدي! إنك ترتكب خطأً!"

انتشر الفزع بين الحشد, عندما توقف الجندي وبدأ بالالتفاف ببطء.

الآن كان مقطب الحاجبين.

"صبي غبي," قال والده, وهو يشد تور من كتفه "عد إلى الداخل!"

"لا يجب ذلك!" صاح تور وانتفض عن قبضة والده.

اقترب الجندي من تور, بينما كان والده يتراجع إلى الخلف.

"هل تعرف عقوبة إهانة أحد أعضاء فرقة الفضة؟" رد الجندي بعنف.

ارتعد قلب تور, لكنه يعرف أنه لا يستطيع التراجع.

"أرجو أن تغفر له يا سيدي" قال والده. "إنه فتى صغير و.."

"أنا لا أتحدث إليك" قال الجندي. مع نظرة ثاقبة, أجبر والد تور على الابتعاد.

التفت الجندي إلى تور.

"أجبني" قال الجندي.

لم يعد تور قادر على الكلام, لم يكن هذا ما خطط له في رأسه.

"إهانة فرقة الفضة هي إهانة الملك نفسه," قال تور بخنوع, يتلو ما تعلم من ذاكرته.

"نعم" قال الجندي. "وهو ما يعني أنني أستطيع إعطاءك أربعين جلدة إذا أردت ذلك."

"لم أعني أي إهانة, سيدي" قال تور. "أريد فقط أن يتم اختياري, أرجوك. لقد حلمت بهذا طوال حياتي, من فضلك. اسمح لي بالانضمام إليكم."

نظر الجندي إليه, وببطء, اختفت تعابير وجهه. بعد فترة طويلة, هز رأسه.

"أنت فتى, شاب. لديك قلب شجاع, ولكنك غير مستعد. عد إلينا عندما تكون مستعداً."

التفت الجندي وبالكاد ألقى نظرة عابرة على الفتيان الآخرين, وبسرعة صعد على حصانه.

كان تور محبطاً وهو يشاهد القافلة تتقدم بأسرع مما وصلت كانت قد اختفت.

آخر ما رآه تور كان إخوته, جالسون في الجزء الخلفي من العربة الماضية. ينظرون في وجهه, مستنكرين و ساخرين.

كانوا يُأخذون بعيداً أمام عينيه, بعيداً عن هنا, إلى حياة أفضل.

في داخله شعر تور أنه يموت.

بينما كان الحماس يتلاشى من حوله, انسل القرويين إلى منازلهم.

"هل تدرك كم أنت ولد غبي وأحمق؟" قال والد تور بعنف وهو ممسك بكتفيه. "هل تدرك أنك أفسدت فرص إخوتك؟"

أبعد تور يد والده بعيداً عنه بقوة, اقترب والده منه مرة أخرى و ضربه بظهر يده على وجهه.

شعر تور بلسعتها وحملق في والده بغضب. وجزء منه, لأول مرة يريد أن يضرب والده, و لكنه أمسك نفسه.

"اذهب وأحضر غنمي. الآن! وعندما تعود لا تتوقع مني وجبة. لقد خسرت وجبتك اليوم, وفكر بما قد فعلت اليوم."

"ربما يجب ألّا أعود أبداً!" صرخ تور وهو يلتفت ويندفع بعيداً عن منزله, نحو التلال.

"تور!" صاح والده. قليل من القرويين توقفوا على الطريق يشاهدون.

بدأ تور بالهرولة, ثم بدأ بالركض, راغباً بالابتعاد عن هذا المكان قدر الإمكان. لقد لاحظ بالكاد أنه يبكي, دموعه تغرق وجهه, وكأن كل أحلامه قد سقطت أرضاً.

الفصل الثاني

تجول تور في التلال لساعات, وهو مضطرب, حتى اختار تلةً و جلس عليها. تقاطعت يداه عبر قدميه, وهو يتأمل الأفق. كان يشاهد العربات تختفي, ويشاهد سحابة الغبار التي بقيت لساعات بعد اختفائها.

لن يكون هناك المزيد من أيام الاختيار هذه. الآن قدره أن يبقى في هذه القرية لعدة سنوات, في انتظار فرصة أخرى.... إذا عادوا أصلاً. و إذا سمح له والده حتى بذلك. الآن سيكون هو ووالده فقط في المنزل, و سيصب والده جام غضبه عليه. إنه سيكمل حياته خادماً لوالده, قد تمضي السنوات, وقد ينتهي به المطاف كوالده, عالقاً هنا في حياة صغيرة وضيعة, بينما يكتسب إخوته المجد والشهرة.

اشتعلت شرايينه مع الإهانة من كل ذلك, لم تكن هذه الحياة التي كان من المفترض أن يعيشها. إنه يعرف ذلك.

عصف دماغه بكل الأفكار التي يمكن أن يفعلها, بكل الطرق التي يمكن أن يغير به هذا. ولكن لم يكن هناك شيء.

بعد ساعات من الجلوس, زاد اكتئابه و بدأ عبور طريقه المألوف حتى التلال, أعلى وأعلى. لا محالة أنه انجرف عائداً نحو القطيع, إلى الربوة العالية. كل ما ارتفع متسلقاً, انخفضت الشمس الأولى في السماء و وصلت الثانية إلى ذروتها, ملقيةً لوناً مخضراً.

أخذ تور وقته وهو يمشي متمهلاً, مزيلاً مقلاعه عن وسطه, قبضة من الجلد باليةً جيداً من سنوات من الاستخدام. وصل إلى كيس مربوط بفخذه ولمس مجموعته من الحجارة, كل منها أكثر نعومة من الأخرى, لقد انتقاهم من صفوة الخلجان. في بعض الأحيان يقذفها على الطيور, و أحياناً أخرى على القوارض. كانت هذه عادته على مدى سنوات. في البداية, كان يخطأ بإصابة كل شيء, ثمّ في إحدى المرات, ضرب هدفاَ متحركاَ. منذ ذلك الوقت أصبح لا يخطئ هدفه. الآن, قذف الحجارة أصبح جزءً منه, يساعده على تفريغ بعضٍ من غضبه. قد يستطيع إخوته أرجحة السيف خلال قطع الأخشاب, ولكنهم لا يمكن أن يصيبوا طيراً محلقاً بحجر.

وضع تور حجراً في المقلاع, انحنى إلى الخلف و قذفها بكل ما لديه من قوّة, متظاهراً بأنه يرميها على والده. ضرب غصن شجرة بعيدة, وقعت إلى الأسفل مباشرةً. عندما اكتشف أنه يستطيع قتل الحيوانات المتحركة, توقف عن استهدافها, خائفاً من قوته و لم يرغب بأن يؤذي أحداً, الآن أهدافه فروع الأغصان. إلا إذا كان ثعلب أتى وراء قطيعه بالطبع. مع مرور الوقت, تعلم أنك يبقيه بعيداً, و كنتيجةٍ لذلك كانت أغنام تور الأكثر أماناً في القرية.

يفكر تور أين سيكون إخوته في الوقت الراهن, وهو يحترق. بعد يوم من المسير سيصلون إلى بلاط الملك. لم يتمكن من تصور ذلك. هو يراهم يصلون في جلبة كبيرة, أناس يرتدون أجود الملابس, يحيوهم. المحاربين يحيوهم, إنهم أعضاء من فرقة الفضة.

ربما سيُأخذون, ويُعطون مكان للعيش في ثكنة الفيلق, ومكاناً للتدريب في ميادين الملك باستخدام أجود الأسلحة. ريما سيعينون حرساً لفارسٍ مشهور. يوم ما, ربما سيكونون بأنفسهم فرساناً مشهورين, ويحصلون على أحصنة خاصةٍ بهم, وستر خاصة للأسلحة, وسيكون لديهم حرسهم الخاص. ربما سيشاركون في جميع المهرجانات ويتناولون العشاء على مائدة الملك. إنها حياة كريمة. انزلق المقلاع من قبضته.

وقف تور بجسده الهزيل, وحاول طرد كل هذا من عقله لكنه لم يستطع. كان هناك جزءٌ منه, جزء كبير, يصرخ في وجهه, يخبره بألّا يستسلم, فلديه مصيرٌ أكبر من ذلك. لم يكن يعرف ما يجب أن يفعله, لكنه يعرف أنه ليس عليه أن يبقى هنا. كان يشعر بأنه مختلف, حتى أنه مميز. أن لا أحداً يفهمه, و أنهم جميعاً يستهينون به.

وصل تور إلى أعلى الهضبة, يراقب قطيعه. إنها مدربة بشكل جيد, لا يزالون مجتمعين جميعهم, يلتهمون بعيداً قانعين بأي عشب قد تمكنوا من العثور عليه. كان يعدّهم, ويبحث عن العلامات الحمراء التي وضعها على ظهورهم. وفجأة تجمد حين انتهى من عدهم, أحد الأغنام مفقود.

لقد عدهم مرة أخرى, ومرة ثالثة. لم يستطع تصديق ذلك, واحد منهم قد اختفى. لم يخسر تور أغناماً من قبل, لن يسمح له والده بالعيش بعد هذا.

الأسوأ من ذلك, كان يكره فكرة أن واحدةً من أغنامه مفقودة, وحدها, ضعيفةً في البرية, كان يكره أن يرى أي معاناةٍ لبريء.

هرع تور إلى أعلى الربوة, تفحص الأفق حتى لمح شيئاً بعيداً. على بعد العديد من التلال, النعجة الوحيدة, والعلامة الحمراء على ظهرها. كان النعجة الجامحة من القطيع. وقع قلبه حين أدرك أن النعجة لم تهرب فقط, ولكنها اختارت, من بين كل الأماكن, التوجه إلى الغرب, إلى الغابة المظلمة.

ابتلع تور ريقه. الغابة المظلمة محظورةٌ ليس فقط على الأغنام, ولكن على البشر أيضاً. كانت أبعد من حدود القرية, و خلال لحظة بدأ تور بالمشي, يعرف أنه يجب ألّا يغامر هناك. لم يسبق له الذهاب إلى هناك أبداً, تقول الأسطورة, أن الموت هناك محتم. الغابة لا يوجد فيها علامات مميزة وتملئها الحيوانات الشرسة.

نظر تور إلى السماء المظلمة, يقلّب الأفكار في رأسه, لا يستطيع السماح للنعجة بالذهاب, تخيل أنه إذا تحرك بسرعة, سيتمكن من أن يعيدها في الوقت المناسبة.

بعد نظرة أخيرة إلى الوراء, التفت واندفع يعدو بسرعة, متجهاً إلى الغرب, إلى الغابة المظلمة, حيث تجمعت الغيوم الكثيفة في الأعلى. كان لديه شعور بالخوف, و لكن بدى أن ساقيه ماتزال تستطيع حمله. كان يشعر بأن هناك لا عودة إلى الوراء, حتى لو أراد ذلك.

كان يشبه الركض في كابوس.

*

أسرع تور إلى أسفل التلال دون توقف, إلى المظلة السميكة من الغابة المظلمة. انتهت الممرات حين بدأت الأشجار, وركض نحو مناطق ليس فيها علامات مميزة, وهو يسحق أوراق الصيف تحت قدميه.

لحظة دخوله الغابة غرق في الظلام, كانت أشجار الصنوبر الشاهقة تحجب الضوء و أيضاً كان الجو أبرد هنا. بينما كان يعبر عتبة المكان شعر بالقشعريرة تسري في بدنه, لم يكن من الظلام فقط أو البرد, كان من شيء آخر. شيءٌ لا يستطيع تسميته, كان شعورٌ بأنه مُراقب. نظر تور إلى الأغصان القديمة, شرسة وأكثر سماكة منه, تتمايل وتئن تحت النسيم. كان قد مشى بالكاد خمسين خطوة في الغابة حتى بدأ يسمع أصوات الحيوانات الغريبة. التفت وبالكاد رأى المكان الذي قد دخل منه, لقد شعر بالفعل أنه لم يكن هناك طريقة للخروج, لقد تردد.

تقع هذه الغابة على أطراف المملكة و على أطراف الأماكن التي يعلمها, شيءٌ غامض وعميق. أيّ راعي فقد أغنام في هذه الغابة لم يجرؤ أبداً على المخاطرة في الدخول خلفها, حتى والده. الحكايات عن هذا المكان مظلمة جداً, ومستمرة أيضاً.

ولكن كان هناك شيء مختلف في هذا اليوم جعل تور لم يعد يهتم, جعله يتخلى عن حذره. جزءٌ منه أراد أن يكسر الحدود, للابتعاد عن المنزل قدر المستطاع, ليسمح للحياة بأخذه حيثما تشاء.

لقد تجرأ على الابتعاد أكثر, ثم توقف, غير متأكد أين يذهب. لاحظ العلامات والأغصان حيث يجب أن تكون نعجته ذهبت, وتحول إلى ذلك الاتجاه. بعد مرور بعض الوقت, التفت مرة أخرى.

بعد مرور ساعةٍ أخرى, كان ضائعاً بشكل ميؤوس منه. حاول أن يتذكر من أي اتجاه أتى, لكنه لم يعد متأكداً. بدأ يشعر ببعض الخوف في قلبه, ولكنه تخيل بأن السبيل الوحيد للخروج هو المضي قدماً, لذلك استمر في ذلك.

من بعيد, رصد تور بصيص أشعة شمس. وجد نفسه أمام أرض خالية من الأشجار, وقف عند حافتها و تجمد, لم يستطيع تصديق ما يرى أمامه.

كان واقفاً هناك و ظهره لتور, يلبس رداءً طويلاً من الحرير الأزرق. كان رجلاً. لا, ليس رجلاً. تور يشعر بذلك من هنا, كان شيئاً آخر. ربما كاهناً. كان طويلاً ومستقيماً و رأسه مغطى بقلنسوة, مازال واقفاً تماماً بمكانه كأنه ليس لديه اهتمام بما يحصل من حوله.

لم يعرف تور ماذا يفعل. لقد سمع عن الكهنة من قبل, ولكنه لم يتعرف على أحد منهم. من العلامات التي على ثوبه و تطريز الذهب المفصل, كان هذا ليس مجرد كاهن, كانت تلك علامات ملكية. تعود للبلاط الملكي. لم يستطع تور فهم ذلك. ماذا يفعل كاهن ملكي هنا؟

بعد مرور بعض الوقت الذي شعر بأنه دهر, التفت الكاهن ببطء و واجهه. بينما كان يفعل ذلك استطاع تور رؤية وجهه. و أخيراً التقط أنفاسه, لقد كان واحداً من الوجوه الأكثر شهرة في المملكة, الكاهن الشخصي للملك. أرجون, مستشار ملوك المملكة الغربية لقرون. ماذا كان يفعل هنا, بعيداً عن البلاط الملكي, في وسط الغابة المظلمة, كان لغزاً. وتساءل تور لو كان يتخيل ذلك.

"عيناك لا تخدعك," قال أرجون وهو يحدق مباشرةً في تور.

كان صوته عميقاً و قديماً, كما لو أن الأشجار تتحدث بنفسها. بدا أن عيونه الكبيرة الشفافة تخترق تور وتجمع ما في داخله. شعر تور بطاقة هائلة تشع من الكاهن, كما لو أنه يقف أمام الشمس.

ركع تور على ركبته فوراً وأحنى رأسه.

"سيدي,أنا آسف لإزعاجك." قال تور.

إن عدم الاحترام اتجاه مستشار جلالة الملك يؤدي إلى السجن أو الموت. هذه الحقيقة كانت راسخة في تور منذ ولادته.

"قف أيها الفتى," قال أرجون. " إذا أردتُ أن تركع على ركبتيك, سأخبرك بذلك."

وقف تور ببطء ونظر إليه. خطى أرجون عدة خطواتٍ مقترباً منه. وقف وحدق في تور, حتى بدأ تور يشعر بعدم الارتياح.

"أنت تملك عيون أمك," قال أرجون.

أصيب تور بالصدمة, لم يلتقي بأمه من قبل, ولم يلتق بأيّ أحد يعرفها, إلا والده. لقد قيل له أنها ماتت في والدته, وهو الأمر الذي كان يشعر تور بالذنب. كان دائما يتوقع أن هذا هو السبب في كره عائلته له.

"أعتقد أنك تظنيني شخصاً آخر," قال تور "ليس لدي أم."

"ليس لديك؟" سأل أرجون مع ابتسامة. "هل ولدت من رجل بمفرده؟"

"كنت أعني أن أقول, سيدي, أن أمي ماتت عند ولادتي. أعتقد أنك مخطئ بي."

"أنت تورجرين, من عشيرة ماكلويد. أصغر أشقاءك الأربعة, الفتى الذي لم يتم اختياره."

اتسعت عينا تور. إنه لا يكاد يعرف كيف حصل هذا. أن شخصاً من مكانة أرجون ينبغي أن يعرف من يكون, كان ذلك أكثر مما يستطيع فهمه. لم يكن يتخيل من قبل أنه كان معروفاً من قبل أحد ما خارج قريته."

"كيف.. تعرف هذا؟"

ابتسم أرجون مرة أخرى ولكنه لم يجب.

لقد امتلئ تور فجأة بالفضول.

"كيف.." أضاف تور, وهو يتلعثم بالكلمات, "...كيف تعرف أمي؟ هل سبق لك رؤيتها؟ من كانت؟"

التفت أرجون و مشى بعيداً.

"الأسئلة لوقت آخر," قال الكاهن.

كان تور يشاهده وهو يذهب, في حيرة. كان لقاءً مذهلاً وغامضاً, لقد حدث كل شيء بسرعة. لقد قرر بألًا يترك أرجون يغادر, أسرع خلفه.

"ماذا تفعل هنا؟" سأل تور, مسرعاً للحاقه. استخدم أرجون عصاه, لقد كان شيئاً عاجياً قديماً, مشى بسرعة.

"أنت لم تكن تنتظرني, أليس كذلك؟" قال تور.

"فمن كنت انتظر؟" سأل أرجون.

سارع تور للحاق به, يتبعه في الغابة, وترك وراءه الأرض الفارغة.

"ولكن لماذا أنا؟ كيف عرفت أنني سأكون هنا؟ ما الذي تريده؟"

"الكثير من الأسئلة" قال أرجون. "يجب عليك الاستماع بدلاً من ذلك".

تبعه تور بينما كان يواصل طريقه خلال الغابة الكثيفة, و هو يبذل ما بوسعه من أجل التزام الصمت.

"جئتَ باحثاً عن نعجتك المفقودة" قال أرجون. "جهدٌ نبيل, لكنك تضيع وقتك. إنها لن تبقى على قيد الحياة"

اتسعت عينا تور.

"كيف تعرف ذلك؟" قال تور.

"أنا أعلم عوالم لن تعرفها أبداً, يا فتى. على الأقل ليس بعد."

تساءل تور وهو يواصل محاولة اللحاق به.

"أنت لن تستمع, بالرغم من أنها طبيعتك. عنيد. مثل أمك, ستظل عازما على إنقاذ غنمتك."

احمر وجه تور لقراءة أرجون أفكاره.

"أنت صبي مشاكس," أضاف أرجون. "قوي الإرادة و فخور جداً. صفات إيجابية, ولكن يوم ما ربما ستكون سبباً في سقوطك."

بدأ أرجون بتسلق سلسلة من التلال, يتبعه تور.

"تريد الانضمام إلى فيلق الملك" قال أرجون.

"نعم!" أجاب تور بحماس." هل هناك أي فرصة لي؟ يمكنك تحقيق ذلك؟"

ضحك أرجون, بصوت عميق, وأجوف أدخل البرد إلى عظام تور.

"يمكنني أن أفعل كل شيء ولا شيء سيتغير, مصيرك مكتوب بالفعل. ولكن الأمر متروك لك لاختيار ذلك."

لم يفهم تور.

وصلوا إلى أعلى التلال, حيث توقف أرجون و واجهه. وقف تور على بعد أقدام فقط, وقد أحرقته قوة أرجون.

"مصيرك هو شيء مهم," قال أرجون" لا تتخلى عنه".

اتسعت عينا تور. مصيره؟ مهم؟ لقد شعر بنفسه يرتفع بالفخر.

"أنا لا أفهم, أنت تتكلم بالأحاجي. أرجوك, أخبرني المزيد."

اختفى أرجون.

انخفض فم تور مفتوحاً. نظر في كل اتجاه, يستمع, يتساءل. هل تخيل كل هذا؟ هل كان هذا وهماً؟.

التفت تور ونظر بتمعن إلى الغابة, من هذه النقطة في أعلى التلال, يستطيع أن يرى أبعد من ذي قبل. شاهد حركة من بعيد. لقد سمع ضوضاء و شعر بأنها نعجته بالتأكيد.

Назад Дальше