مسيرة الملوك - Морган Райс 2 стр.


"لا تقلق بشأنهم," قال ميريك. "لا يوجد سوى أنا وأنت هنا. لا يستطيعون الوصول إليك, وأستطيع الاهتمام بالأمر إذا كنت قد سممت الملك. أودّ أن أسممه بنفسي."

"لم أقم بتسميم الملك," قال تور بسخط. "لم أقم بتسميم أحد. كنت أحاول إنقاذه. وكل ما فعلته هو دفع القدح بعيداً من يد الملك."

"وكيف عرفت أن الكأس مسموماً؟, صرخ صوتٌ من نهاية الممر, متنصتاً على حديثهما. "أفترض أنك ساحر؟"

ثمّ جاء صوت ضحك ساخر من أول ممر الزنزانات حتى نهايته.

"إنه ساحر روحي," صاح أحدهم ساخراً.

ضحك الأخرون.

"لا, لقد كان مجرد تخمين محظوظ!؟ صاح آخر, كي يجلب سخرية الآخرين.

حملق تور بسخط, ممتعضاً من تلك الاتهامات, وراغباً في وضع حدّ لكلٍّ منهم. لكنه عرف أن ذلك سيكون مضيعة للوقت. وإضافة إلى ذلك, لا يمكنه أن يدافع عن نفسه أمام هؤلاء المجرمين.

نظر إليه ميريك وهو يتأمله, مع نظرة خاليةٍ من الشكوك. بدا كما لو أنه يريد مناقشته.

"أنا أصدقك," قال بهدوء.

"حقاً؟" سأل تور.

هزّ ميريك كتفيه مستهجناً.

"بعد كل ذلك, لو كنت تريد القيام بتسميم الملك, هل ستكون غبياً لدرجة أن تسمح له بمعرفة ذلك؟"

التفت ميريك ومشى قليلاً, عدة خطوات إلى الجانب الأخر من الزنزانة, ألقى ظهره إلى الجدار وجلس في مواجهة تور.

كان تور فضولياً في هذه اللحظات.

"لماذا أنت هنا؟"

"أنا لص, أجاب ميريك, ببعض الفخر.

تفاجاً تور قليلاً, لم يجلس أبداً مع لص من قبل, لصٍ حقيقي. لم يفكر أبداً داخل نفسه بالسرقة أبداً, وكان دائماً مندهشاً عندما يدرك أن بعض الناس يفعلون ذلك.

"ولماذا تفعل ذلك؟" سأل تور.

استهجن ميريك سؤاله.

"عائلتي لا تملك أيّ طعام, يجب أن يأكلوا. أنا لم أتعلم أي شيء, أو أي مهارات من أي نوع. كل ما أعرفه هو السرقة. لا شيء قيّم, غالباً ما يكون الطعام فقط. كل ما احصل عليه. أنا أفعل ذلك منذ سنوات, ثمّ قُبض عليّ, وهذه هي المرة الثالثة التي يُلقى عليّ القبض. المرة الثالثة هي الأسوأ."

"لماذا؟" سأل تور.

كان ميريك هادئاً, ثم هز رأسه ببطء. استطاع تور أن يرى الدموع في عينيه بوضوح.

"قانون الملك صارم, لا يوجد استثناءات. الجريمة الثالثة, يقومون بأخذ يدك."

أصيب تور بالذعر, حملق إلى الأسفل إلى يدي ميريك, وكان كلاهما هناك.

"لم يأتوا من أجلي بعد, لكنهم سيفعلون." قال ميريك.

شعر تور بشعور رهيب. نظر ميريك بعيداً, كما لو أنه كان خجولاً من ذلك, وفعل تور ذلك أيضاً. لا يريد التفكير في الأمر.

وضع تور رأسه بين يديه, رأسه الذي كان يقتله, محاولاً تجميع أفكاره. خلال الأيام القليلة الماضية شعر تور بأنه كان داخل زوبعة كبيرة. لقد حدث ذلك بسرعة كبيرة. فمن ناحية كان يشعر بالنجاح, فقد استطاع رؤية المستقبل وقد توقع تسميم الملك ماكجيل, كما أنه قام بإنقاذه من ذلك. ربما سيكون القدر عازماً على شيء بعد كل ذلك, ربما سيتغير كل ذلك وسينحني له القدر. شعر تور بالفخر: لقد أنقذ الملك.

ومن ناحية أخرى, إنه هنا في هذه الزنزانة, غير قادر على تبرئة نفسه. لقد تحطمت كل آماله وأحلامه, لقد ذهبت كل فرصه في الانضمام إلى الفيلق. سيكون محظوظاً الآن إذا لم يقضي بقية حياته في هذا المكان هنا. لقد آلامه التفكير بأن ماكجيل, الذي اتخذه تور كأبيه, الأب الوحيد والحقيقي, يعتقد بأن تور حاول فعلاً قتله. آلمه التفكير بأن ريس, أفضل صديقٍ لديه قد يعتقد بأنه كان يريد قتل والده. والأسوأ من ذلك كله, جويندولين. فكر تور بآخر لقاءٍ لهما, كيف اعتقدت بأنه كان يتردد على بيوت الدعارة وشعوره كما لو أن كل شيء جيد في حياته قد سُحب من تحته. وتساءل لماذا يحدث كل ذلك له. ورغم كل ذلك لقد أراد فقط أن يفعل الصواب.

لم يعرف تور ما الذي سيحصل له, إنه لا يهتم لذلك. كل ما يريده الآن هو تبرئة نفسه, كي يعرف الناس أنه لم يحاول إيذاء الملك. أن لديه قوىً حقيقة وأنه رأى المستقبل. لم يعرف ما الذي سيحصل له ولكنه عرف شيئاً واحداً: أن عليه أن يخرج من هنا, بطريقة أو بأخرى.

قبل أن ينتهي تور من تفكيره هذا, سمع وقع خطىً وأحذية ثقيلة تشق طريقها إلى الأسفل على الممرات الحجرية. ثمّ جاء من هناك صوت قرقعة المفاتيح, وبعد لحظات ظهر أمام عينيه حارس السجن قوي البنية, الرجل الذي قام بجرّه ولكمه على وجهه. وبالمشهد الذي كان أمامه, شعر تور بالألم يزداد في خده, كأنه يشعر بذلك لأول مرة, وشعر بالاستياء من ذلك.

"حسناً, من هو التافه الصغير الذي حاول قتل الملك, "قال السجّان بوجهه العابس وهو يدير المفتاح داخل القفل الحديدي. وبعد دوي عدة طقات. تراجع إلى الخلف وسحب باب الزنزانة إلى الوراء. كان يحمل الأغلال بإحدى يديه مع فأس صغيرة معلقة على خصره.

"سأحصل عليك," قال لتور بسخرية, ثم التفت إلى ميريك. "ولكن الآن حان دورك, أيها اللص الصغير. المرة الثالثة لا يوجد فيها استثناءات." قال ذلك بابتسامة خفيفة.

اقترب من ميريك, وأمسك به بشكل وثيق, ثم سحب إحدى يديه من خلف ظهره, قام بتكبيلها بإحدى الأصفاد ثمّ ربط طرفها الآخر إلى خطّافٍ على الحائط. صرخ ميريك عالياً, وهو يشدّ تلك الأصفاد بعنف, محاولاً كسرها. ولكن كل ذلك لم يكن مجدياً. وقف السجّان خلفه وأمسك به, ثم ثبتّه بشكل وثيق, وأمسك بيده الأخرى ووضعها على حافة الحجر.

" هذا سيعلمك ألّا تسرق," قالها بغضب شديد.

أزال الفأس من حزامه ورفعه عالياً فوق رأسه, وفمه مفتوح بشكل كامل, وأسنانه القبيحة تخرج من فمه كأنه يزمجر.

"لا!" صاح ميريك.

كان تور يجلس هناك مملوء بالرعب والذهول, بينما كان السجّان يُنزل سلاحه إلى الأسفل باتجاه معصم ميريك. قام تور بالتفكير بالأمر خلال ثوانٍ, سيتم بتر يد هذا الصبي الفقير, وإلى الأبد, ولا يوجد سببٌ لذلك سوى أنه قام ببعض السرقات التافهة لبعض الطعام, كي يقوم بإطعام عائلته. كان ظلم ذلك الصبي يحرقه في داخله, وأحسّ أنه لا يمكنه أن يسمح بحدوث ذلك. لقد كان ليس عادلاً.

شعر تور بحرارة جسمه ترتفع, ثمّ شعر بشيءٍ يشتعل داخل جسمه, ويتصاعد من قدميه ويتنشر داخل جسمه وصولاً إلى كتفيه. شعر بالوقت يتباطأ, ورأى نفسه يستطيع التحرك أسرع من الرجل, أستطاع أن يحس بكل جزءٍ من الثانية, بينما كانت فأس ذلك الرجل معلقةً في الهواء وتهوي إلى يد الصبي. شعر تور بكرة طاقة ملتهبة داخل راحة يده, ثمّ قام بقذفها باتجاه السجّان.

شاهد تور ذلك بذهول, بينما كان الشعاع الأصفر ينطلق من راحته مخترقاً الهواء وتاركاً ذيلاً خلفه, ومضيئاً تلك الزنزانة المظلمة. ذهب ذلك الشعاع باتجاه السجّان مباشرةً وأصابه في رأسه, وبينما حصل ذلك, سقط الفأس من يده وطار داخل الزنزانة, ثمّ اصطدم بالجدار وسقط على الأرض. استطاع تور أن ينقذ ميريك قبل أن يصل نصل الفأس إلى معصمه بأجزاءٍ من الثانية.

نظر ميريك إلى تور بعينين جاحظتين.

هزّ السجّان رأسه وبدأ بالتقدم باتجاه تور كي يلقي القبض عليه. ولكن تور شعر بقوة هائلة تشتعل داخله, وحين اقترب منه السجّان وأصبح في مواجهته, ركض تور إلى الأمام وقفز في الهواء ثمّ ركله على صدره. شعر تور بقوةٍ لم يعهدها من قبل تسري خلال جسده, وسمع صوت تكسر أضلاع الرجل الضخم بينما قذفته تلك الركلة في الهواء محطماً الجدار الذي كان خلفه, ثمّ سقط ككومة على الأرض فاقداً الوعي بشكل كامل هذه المرة.

وقف ميريك هناك مذهولاً, لا يعرف ما الذي قام تور بفعله للتو. أمسك تور بالفأس ثمّ أسرع باتجاه ميريك وقام بتثبيت الأصفاد على الحجر وتحطيمها. انطلقت شرارةٌ كبيرة في الهواء عندما قام تور بقطع سلسلة الأصفاد. تسمّر ميريك في مكانه لعدة ثوانٍ, ثمّ رفع رأسه ونظر إلى السلسلة وهي تتدلى أسفل قدميه, وأدرك أنه أصبح حرّاً الآن.

حدّق ميريك بتور, وهو فاغر الفم.

"لا أعرف كيف أشكرك," قال ميريك. "لا أعرف كيف فعلت ذلك, ولكن أيّاً كان, وأيّاً من كنت أو ما كانت فلقد أنقذت حياتي. أنا مدينٌ لك بواحدة. وهذا شيء لا أستهين به."

"أنت لا تدين لي بشيء," قال تور.

"أنت مخطئ," قال ميريك. ثمّ مدّ يده وشبكها بيد تور. "أنت أخي الآن, وسوف أردّ ذلك لك, بطريقةٍ ما وفي يومٍ ما."

بعد ذلك, التفت ميريك وأسرع باتجاه باب الزنزانة المفتوح, ثم ركض باتجاه نهاية الممر, مع صيحات السجناء الآخرين.

نظر تور حوله فرأى ذلك الحارس فاقد الوعي وباب الزنزانة المفتوح, وأدرك أن عليه التصرف أيضاً. كانت صيحات السجناء تعلو أكثر فأكثر.

اتجه تور إلى الخارج ونظر إلى كلا الاتجاهين, وقرر تجربة حظّه في الاتجاه المعاكس لميريك. فرغم كل شيء, لن يتمكنوا من إلقاء القبض عليهما معاً وفي وقت واحد.

الفصل الثالث

ركض تور تحت ظلمة الليل, في الشوارع المليئة بالفوضى داخل البلاط الملكي, مندهشاً من هذه الضجة حوله. كانت الشوارع مزدحمة و الناس تسرع في الشوارع بحشود هائجة. العديد من المشاعل المحمولة تضيء ظلام الليل, وتلقي الظلال على الوجوه المذهولة, بينما كانت الأجراس تُقرع باستمرار. كانت دقاتها تتكرر ببطء, وتأتي مرةً كل دقيقة, وعرف تور ماذا يعني ذلك: إنه الموت. أجراس الموت. وهناك شخصٌ واحد في المملكة ستقرع الأجراس عند موته: إنه الملك.

خفق قلب تور بشدة وهو يتساءل داخل نفسه, بينما كان ذلك الخنجر من الحلم يلمع أمام عينيه. هل كان ذلك صحيحاً؟

كان عليه أن يتأكد من ذلك بشكل يقيني. اقترب من أحد المارة وأمسك بيده, كان صبياً يركض في الاتجاه المعاكس.

"إلى أين أنت ذاهب؟" سأله تور. "لماذا كل هذه الضجة؟"

"ألم تسمع؟" حملق الصبي في وجهه وهو في حالة هيجان. "إن ملكنا يحتضر! لقد طُعن! الحشود تجتمع عند بوابة الملك, محاولةً الحصول على آخر الأخبار. إذا كان ذلك صحيحاً, فهو أمر فظيع بالنسبة لنا جميعاً. هل يمكنك أن تتخيل ذلك؟ أرضٌ بلا ملك؟"

بعد ذلك, أبعد يد تور عنه والتفت, ثمّ ركض مرة أخرى داخل ظلام الليل.

وقف تور هناك, قلبه يقصف داخل أضلاعه, لا يريد أن يصدق حقيقة ما يجري حوله. أحلامه وهواجسه, لقد كانت أكثر من مجرد أوهام . لقد رأى المستقبل, مرتين ولقد أخافه ذلك. لقد كانت قواه أقوى مما كان يعرفه, يبدو أن قواه تزداد يوماً بعد يوم. إلى ماذا سيؤدي كل ذلك؟

وقف تور هناك محاولاً معرفة المكان الذي سيذهب إليه الآن. لقد هرب, ولكن لم يعد لديه أي فكرةٍ الآن إلى أين سيتجه. بالتأكيد خلال دقائق سيكون الحراس وربما جميع من في البلاط الملكي, يبحثون عنه. مجرد حقيقة هربه ستجعله مذنباً أكثر. ولكن من ناحية أخرى, حقيقة أن ماكجيل قد طُعن أثناء وجود تور داخل السجن, ألن تكون كافيةٍ للدفاع عنه؟ أم سيجعله ذلك يبدو كجزءٍ من المؤامرة؟

لا يوجد لتور أيّ فرصةٍ الآن. ومن الواضح أن جميع من في المملكة لا يملك مزاجاً لسماع الأفكار بشكل عقلاني, لقد بدا جميع من حوله خارجاً من أجل الدم. وربما سيكون هو كبش الفداء. إنه يحتاج إلى العثور على مأوى, إلى مكان يستطيع الذهاب إليه كي يتجاوز هذه العاصفة ويقوم بتبرئة اسمه. إن المكان الأكثر أماناً سيكون بعيداً عن هنا. يجب عليه الفرار, واللجوء إلى قريته أو حتى أبعد من ذلك, إلى أبعد مسافةٍ من هنا يمكنه الوصول إليها.

ولكن تور لم يرد أن يأخذ الطريق الأكثر أماناً. لم يكن تور من هذا النوع, كان يريد البقاء هنا وتبرئة اسمه, أراد المحافظة على مكانه في الفيلق. إنه ليس جبانا ولن يهرب من ذلك. إنه يريد رؤية الملك ماكجيل قبل وفاته, إذا كان لا يزال على قيد الحياة. كان يحتاج إلى رؤيته, و يشعر بالذنب لأنه لم يكن قادراً على إيقاف عملية اغتيال الملك تلك. لماذا كن محكوماً عليه رؤية موت الملك, إذا لم يكن قادراً على فعل أيّ شيءٍ حيال ذلك؟ ولماذا رأى الملك يتمّ تسميمه عندما كان سيتم طعنه في الحقيقة؟

بينما وقف تور هناك, يناقش تلك الأمور في عقله, خطر في باله ريس. كان ريس الشخص الوحيد الذي يمكنه الوثوق به كي لا يكتشف الحراس مكانه, أو حتى من الممكن أن يوفر له ملاذاً آمناً. أحسّ بأن ريس سيصدقه. كان يعرف بأن حب تور لوالده كان حقيقياً, وإذا هناك فرصة لأي شخص كي يقوم بتبرئة اسم تور, فسيكون ريس. كان عليه أن يجده.

أخذ تور طريقه راكضاً من خلال الأزقة الخلفية, يلف ويدور من خلال الحشود, بينما كان يبتعد عن بوابة الملك باتجاه القلعة. كان يعرف أن غرفة ريس في الجناح الشرقي, على مقربةٍ من جدار المدينة الخارجي, وكان يأمل فقط بأن يكون ريس داخل غرفته. إذا كان هناك, من الممكن أن يستطيع يلفت انتباهه لوجوده, ومن الممكن أن يساعده على إيجاد طريقٍ إلى داخل القلعة. كان يشعر تور بالخوف من بقائه هنا في الشوارع, فمن الممكن أن يتم قريباً التعرف عليه. وإذا تعرفت عليه هذه الحشود فسيقومون بتمزيقه إرباً.

وبينما وصل تور إلى نهاية هذه الشوارع, وجد نفسه قد وصل أخيراً إلى الجدران الحجرية الخارجية. لقد أصبح قريباً جداً, كان يركض بالقرب من الجدران, على مقربةٍ كبيرة من عيون الجنود الساهرة الذين وقفوا كل بضعة أقدام.

وحالما اقترب تور من نافذة ريس, انحنى إلى الأسفل والتقط حجرة صغيرة. ولحسن الحظ فقط نسي الجنود تجريده من سلاح واحد, مقلاعه القديم. استخرج المقلاع من وسطه ووضع الحجر داخلها, ثمّ قام بإلقائه.

وبرمية لا يمكن أن تخطئ, طار الحجر من فوق جدار القلعة ثمّ وصل بشكل دقيق إلى النافذة المفتوحة من غرفة ريس. سمع تور صوت ارتطام الحجر بالجدار الداخلي لغرفة ريس, ثم انتظر قليلاً, و اختبئ خلف الجدار المنخفض كي لا يتم كشفه من قبل حراس الملك المنتشرين على طول الجدار, والذين التفتوا باتجاه الصوت.

ولكن لم يحدث شيء خلال اللحظات التالية, امتلأ قلب تور بالخوف, تساءل عمّا إذا لم يكن ريس في غرفته بعد كل ذلك. إذا لم يكن في غرفته فسيكون على تور أن يفرّ من هذا المكان, لم يكن هناك أيّ وسيلةٍ أخرى بالنسبة له كي يحصل على ملاذٍ آمن. حبس تور أنفاسه لعدة دقائق بينما كان قلبه يخفق بشدة, انتظر قليلاً وهو يراقب نافذة ريس إذا كان ستفتح.

بعدما كان على وشك الانصراف بعد أن أحسّ بأن دهراً قد مر. رأى تور شخصاً ما يخرج رأسه من النافذة, يضع كفيّه على راحة النافذة ويميل رأسه للخارج وهو ينظر بحيرةٍ تعلو وجهه.

وقف تور واندفع عدة خطواتٍ إلى الخلف بعيداً عن الجدار, ثمّ لوّح بإحدى ذراعيه عالياً.

نظر ريس إلى الأسفل ولاحظ تور, لقد بدت ملامح السرور على وجهه عندما تعرّف على تور, كان ذلك واضحاً حتى في ضوء المشعل من هنا, وشعر تور بالارتياح لرؤية تلك التعابير على وجهه. أخبر ذلك تور بكلّ ما يريد معرفته: لن يقوم ريس بردّه الآن.

أشار له ريس بأن ينتظر, أسرع تور باتجاه الجدار وجلس على ركبتيه خافضاً نفسه بشكل كامل بينما كان الحراس ينظرون حولهم.

انتظر تور لمدةٍ لا يعرف كم طالت, وكان مستعداً للفرار في أيّة لحظة من الحراس, حتى ظهر ريس أخيراً, وهو يتسلل من خلال بابٍ في الجدار الخارجي, كان يتنفس بصعوبة وينظر في كلا الاتجاهين, حتى استطاع أن يجد تور.

أسرع ريس باتجاهه وقام بعناقه. شعر تور بسعادةٍ غامرة. سمع تور صوتاً من الأسفل ونظر فرأى كروهن جالساً داخل قميص ريس. قفز كروهن إلى الأسفل عندما انحنى ريس, و ركض نحو تور.

إنه كروهن شبل النمر الأبيض الذي قام تور بإنقاذه في أحد الأيام, قفز إلى أحضان تور وعانقه, وهو يأنّ ويلعق وجه تور.

ابتسم ريس.

"عندما أخذوك حاول أن يتبعك, وقمت بأخذه كي أتأكد أنه سيكون بأمان."

قام تور بشبك يده في يد ريس مقدراً فعلته هذه, ثم ضحك بينما بقي كروهن يلعق وجهه.

"لقد افتقدتك أيها الفتى," ضحك تور, وقام بتقبيل ريس. " ابقى هادئاً الآن كي لا يسمعنا الحراس."

سكت كروهن كما لو أنه يفهم حديثهما.

"كيف هربت؟" سأل ريس باستغراب.

لم يكن يعرف تور ما الذي يقوله بالتحديد. لا يزال يشعر بعدم الارتياح عند التحدث عن قدراته, التي لا يفهمها. لا يريد أن يعتقد الآخرون بأنّه شيء غير طبيعي.

"أعتقد أنني كنت محظوظاً," لقد سنحت لي فرصة وقمت باستغلالها." أجاب تور.

"أنا مندهشٌ كيف لم يقم هؤلاء الحشود بتمزيقك إلى أجزاء," قال ريس.

" إن الدنيا مظلمة, لا أعتقد أن أحداً سيستطيع التعرف عليّ, حتى الآن على ما أعتقد." أجاب تور.

"هل تعرف أنّ كل جنديٍّ في المملكة يبحث عنك؟ وهل تعرف أنّ والدي قد طُعن؟"

طأطأ تور رأسه, وقال بجديّة. "هل هو بخير الآن.

بدت تعابير الحزن على وجه ريس. وأجاب بتجهم, "لا, إنه يحتضر."

شعر تور بالانهيار, كما لو أنه كان والده.

"أنت تعرف أنني لم أرتكب ذنباً , أليس كذلك؟" سأل تور. لم يكن يهتم لما يفكر به أيّ شخص آخر, ولكنه أراد أن يثبت لأفضل صديق لديه وللملك ماكجيل بأنّه بريء.

"بالتأكيد, وإلا لما وجدتني واقفاً هنا الآن." قال ريس.

شعر تور بموجةٍ من الارتياح, بينما وضع ريس يده على كتفه بامتنان.

"ولكن بقية المملكة لن تكون آمنةً بالنسبة لك," أضاف ريس. "المكان الأكثر أماناً بالنسبة لك سيكون بعيداً عن هنا. سوف أعطيك أسرع حصانٍ عندي, مع بعض المؤن, وسأرسلك بعيداً. يجب أن تختفي حتى يمرّ كل شيء, حتى يجدوا القاتل الحقيقي. لا أحد يفكر بشكل واضح الآن."

أومأ تور برأسه بالنفي.

"لا أستطيع المغادرة," قال تور. "سوف يجعلني ذلك أبدو مذنباً. أحتاج إلى إخبار الآخرين بأنني لم أفعل ذلك. لا أستطيع أن أهرب من مشكلتي. يجب أن أقوم بتبرئة اسمي."

هزّ ريس رأسه.

"إذا بقيت هنا, فسوف يجدونك. وسيأخذونك إلى السجن مرة أخرى, وسيقومون بإعدامك بعدها, إذا لم تقتل على يد هذه الحشود."

"هذه فرصتي ويجب أن استغلها," قال تور.

حدّق ريس في وجهه طويلاً, ثمّ تغيرت نظرته من قلقٍ إلى إعجاب. وأخيراً أومأ برأسه ببطء.

"أنت تبعث على الفخر وغبي, غبي جداً, هذا هو السبب بأنني أحبك."

ابتسم ريس, وأيضاً ابتسم تور بالمقابل.

"يجب أن أرى والدك," قال تور. "أحتاج إلى فرصةٍ كي أشرح له وجهاً لوجه, بأنني لم أكن أنا, وأنني لست على علاقة بكل ذلك. وإذا قرر إصدار الحكم علي, فليكن ذلك, ولكنني بحاجة إلى فرصة واحدة. أريده أن يعرف, هذا كل ما أطلبه منك."

حدّق به ريس بجديّة, يتذكر صداقتهما. وبعد بعض الوقت الذي مضى كدهر. أومأ برأسه.

"يمكنني أن أؤمن لك ذلك, أعرف طريق العودة, إنه يؤدي إلى حجرته. إنه خطر وبمجرد أن تصل إلى هناك ستكون وحيداً, لا يوجد طريقٌ للخروج. ولن يكون هناك أيّ شيء يمكنني تقديمه لك. ومن الممكن أن يعني ذلك موتك. هل أنت متأكد أنك تريد الحصول على هذه الفرصة؟"

أومأ تور برأس بجديةٍ كبيرة.

"إذاً هذا جيد جداً," قال ريس, ثمّ اقترب ورمى عباءة إلى تور.

أمسك بها تور ونظر إلى الأسفل باستغراب. ثمّ أدرك أن ريس كان يخطط لذلك منذ البداية.

ابتسم ريس بينما كان تور ينظر إليه.

"كنت أعلم أنك ستكون غبياً بما فيه الكفاية كي تصرّ على البقاء. لن أتوقع أيّ شيءٍ آخر من صديقي المفضل."

الفصل الرابع

كان غاريث في غرفته, يستعرض في ذاكرته ما حصل في تلك الليلة بقلقٍ شديد. لم يتمكن من تصديق ما حصل في الوليمة, كيف ذهب كل شيءٍ قام بالتخطيط له. بالكاد يمكنه استيعاب ما قام به ذلك الصبي الغبي, إنه الغريب تور, الذي استطاع بطريقةٍ ما أن يكشف المؤامرة, بل وأكثر من ذلك, تمكّن في الواقع من منع الملك من تناول ذلك القدح. تأمّل غاريث تلك اللحظة مرة أخرى, عندما رأى تور يقفز ويدفع الكأس, عندما سمع صوت ارتطام الكأس بالأرض, وشاهد النبيذ وهو ينسكب على الأرض, ورأى أحلامه وطموحاته كلها تنسكب معه.

في تلك اللحظة, كان غاريث منهاراً, لقد تدمّر كل شيء عاش من أجله. وعندما قام ذلك الكلب بلعق النبيذ وانهار على الأرض ميتاً, علم عندها أنها كانت النهاية. رأى حياته كلها تمر أمامه, لقد رأى نفسه عندما تنكشف مؤامرته, وعندما يُحكم عليه بالسجن المؤبد داخل زنزانة صغيرة لأنه حاول قتل والده. أو أن يتم الأسوأ وهو إعدامه. كان عليه ألّا ينفذ تلك الخطة أبداً, وألّا يزور تلك الساحرة أصلاً.

ولكن على الأقل استطاع التصرف بسرعة, فقد استغل الفرصة وقفز على قدميه مشيراً إلى تور وملقياً اللوم عليه. إذا نظرنا للأمر من ناحية أخرى, فقد كان فخوراً بنفسه كيف أنه استطاع التصرف بسرعة. كانت تلك لحظة ارتجالية, ولحسن حظه فقد سارت الأمور بخير. فقد قاموا بسحب تور إلى الخارج, وبعد كلّ ذلك استقرت الأمور مرة أخرى واستمرت الوليمة. وبالطبع لم يكن الأمر بعدها كما يريده, ولكن على أقل تقدير, فقد وقعت الشكوك على ذلك الصبي.

Назад Дальше