كان غاريث يصلي أن يبقى الأمر على ما هو عليه. لقد مرت عقود عديدة على آخر محاولة لاغتيال الملك, وخشيَ غاريث أن يتم التحقيق في الأمر, وأن يبحثوا بشكل مكّثف عمّن قام بهذا الفعل. إذا نظرنا إلى الوراء فقد كانت محاولة تسميمه محاولةً غبية. كان والده لا يقهر, وكان عليه معرفة ذلك. والآن لا يمكنه الشعور سوى أنها مسألة وقت حتى يتم اكتشاف أمره. سيكون عليه أن يفعل ما بوسعه كي يثبت تلك التهمة على تور كي يتم إعدامه قبل فوات الأوان.
على الأقل استطاع بطريقةٍ ما أن ينقذ نفسه: بعد أن فشلت تلك المحاولة, قرر إلغاء عملية الاغتيال. والآن شعر بالارتياح. فبعد أن فشلت تلك المؤامرة, أدرك ان جزءاً منه, داخل أعماقه, لا يريد منه أن يقوم بقتل والده, لا يريد منه أن يلطّخ يديه بدمه. فهو لن يكون ملكاً, من الممكن ألّا يصبح ملكاً أبداً. ولكن بعد أحداث هذه الليلة, التي انتهت بشكل جيد بالنسبة له. على الأقل سيكون حرّاً الآن. لا يمكنه تحمّل هذا التوتر كله إذا قام بإعادة المحاولة مرة أخرى: السريّة ومحاولة إخفاء الأمور والقلق الدائم من أن يتم كشفه, لقد كان ذلك كثيراً جداً بالنسبة له.
وبينما كان يذهب ويجيء داخل غرفته ببطء, أصبح الوقت متأخراً جداً وبدأ يهدأ قليلاً. وبينما كان يشعر بالرضا عن نفسه ويستعد للنوم, سمع صوت باب يُفتح بعنف, والتفت فرأى باب غرفته مفتوحاً. لقد كان فيرث, عيناه واسعتين ويلهث بشدة, يندفع داخل الغرفة كما لو أنّ أحداً كان يطارده.
"إنه ميت!" صرخ فيرث. "إنه ميت, أنا قتلته. إنه ميت!"
كان فيرث في حالة هيستيرية وينحب بشدة, ولم يكن لدى غاريث أي فكرة عمّا كان يتحدث عنه. هل كان في حالة سكر؟
كان فيرث يركض في جميع أنحاء الغرفة, يصيح ويبكي ويشبك يديه ببعضها, وفجأة لاحظ غاريث كفيه, لقد كانت يداه مغطاة بالدماء, وكان رداءه الأصفر ملطّخاً باللون الأحمر.
استطاع غاريث استيعاب الأمر, لقد قام فيرث بقتل شخصٍ ما, ولكن من؟
"من هو الميت؟" سأل غاريث. "من الذي تتكلم عنه؟"
ولكن فيرث كان في حالة هستيرية, ولا يمكنه أن يركّز. ركض غاريث باتجاهه, أمسكه من كتفيه وهزه بقوة.
"أجبني!"
فتح فيرث عينيه, وحدّق بغاريث.
"أبوك, الملك! إنه ميت, لقد قتلته بيدي!"
شعر غاريث كما لو أن سكيناً دخلت في قلبه وهو يسمع تلك الكلمات.
كان يحدق به, جاحظ العينين ومتجمداً في مكانه, ويشعر بأن جسده بدأ يتخدر بشكل كامل. أفلت فيرث ورجع عدة خطواتٍ إلى الوراء, وحاول أن يتلقط أنفاسه. كان يمكنه معرفة أن فيرث يقول الحقيقة من كلّ تلك الدماء التي كانت عليه. لا يستطيع فهم ذلك. فيرث؟ الصبي الهادئ؟ وصاحب الإرادة الأضعف بين أصدقائه جميعاً؟ قام بقتل والده؟
"ولكن.. كيف ذلك؟" قال غاريث وهو يلهث. "متى قمت بذلك؟"
"لقد حدث ذلك في غرفته," قال فيرث. منذ لحظات قليلة. لقد قمت بطعنه."
بدأ غاريث يستوعب ذلك كله, وبدأ يستعيد عقله ودهائه. لاحظ أن الباب مازال مفتوحاً, ركض نحوه بسرعة وقام بإغلاقه, تحقق قبل ذلك من عدم وجود أحد يراقبه من الحراس. ولحسن الحظ كان الممر فارغاً. ثمّ سحب الترباس الحديديّ الثقيل وقام بقفل الباب.
سارع عبر الغرفة باتجاه فيرث, الذي كان لا يزال في حالة هيستيرية, وحاول غاريث أن يقوم بتهدئته. إنه يحتاج إلى بعض الأجوبة.
أمسكه من كتفيه, وشدّه بقوة كبيرة كانت كافية لجعله يتوقف في مكانه. وأخيراً نظر إليه فيرث بتركيز.
"أخبرني كل شيء," قال غاريث بهدوء. "قل لي بالضبط ما الذي حدث؟ ولماذا فعلت ذلك؟"
"ماذا تقصد بـ لماذا؟ " سأل فيرث بارتباك. "لقد أردتَ قتله, ولم تنجح خطة تسميمه. اعتقدت أنني يمكنني مساعدتك, اعتقدت أن ذلك ما كنت تريده."
هزّ غاريث رأسه, ثمّ أمسك بفيرث وهزّه مراراً وتكراراً.
"لماذا فعلت ذلك؟" صرخ غاريث.
شعر غاريث وكأن العالم كله قد انهار فوق رأسه. لقد صُدم لشعوره بالأسى كثيراً لأجل والده, لم يستطع فهم ذلك. منذ عدة ساعات فقط, كان يريد رؤيته مسموماً أكثر من أي شيءٍ آخر في العالم, وملقاً على تلك الطاولة. أما الآن فقط اصبحت فكرة موته, كموت أفضل صديقٍ بالنسبة له. كان غارقاً في ندمه. كان هناك جزءٌ منه لا يريد أن موت والده بالرغم من كل ذلك, ليس بهذه الطريقة. ليس على يد فيرث وليس مطعوناً.
"أنا لا أفهم," قال فيرث وهو ينتحب. "قبل عدة ساعات حاولت قتله بنفسك. عن طريق الخطة التي قمت بإعدادها, ظننت أنك ستكون ممتناً لي لأنني قمت بذلك!"
ولزيادة دهشته فقد تقدم غاريث إلى الأمام, وقام بصفع فيرث بقوة على وجهه.
"لم أقل لك أن تفعل ذلك!" صاح غاريث. "لم أقل لك أن تفعل ذلك, لماذا قمت بقتله؟ انظر إلى نفسك, أنت مغطىً بالدماء. لقد انتهينا أنا وأنت, ليست سوى مسألة وقت حتى يقوم الحراس بإلقاء القبض علينا."
" لم يرني أحد," قال فيرث. "لقد تسللت عبر الممرات دون أن يراني أحد."
"وأين السلاح الذي قتلته به؟"
"لم أتركه هناك," قال فيرث بفخر. "أنا لسا غبياً, لقد تخلصت منه."
"وما النصل الذي استخدمته," سأل غاريث وهو يفكر بعقله بآثار الطعن. انتقل تفكيره من تأنيب الضمير إلى القلق بشأن كشفهما. وأصبح يفكّر بكل التفاصيل التي من الممكن أن يتركها هذا الأحمق خلفه, كل التفاصيل التي من الممكن أن تؤدي إليهما.
"لقد استخدمت واحدةً لا يمكن تتبعها," قال فيرث بفخر. "لقد كانت سكيناً مجهولة, وجدتها في الإسطبلات. كان هناك أربعة فقط مثلها. لا يكمن تتبعها."
شعر غاريث بهبوط قلبه.
"هل كانت سكيناً قصيرة, ذات مقبض أحمر وشفرة منحنية؟ معلقة على الجدار بجانب حصاني؟"
أومأ فيرث برأسه, وهو ينظر إليه باستغراب.
"أنت غبي, بالطبع يمكنهم معرفة من صاحب هذه الشفرة!"
"ولكن لم يكن عليها علامات مميزة!" قال فيرث محتجاً على كلامه, بصوته الخائف والمرتجف.
"لا يوجد علامات على الشفرة, ولكن هناك علامة على المقبض!" صاح غاريث. "أسفل المقبض, أنت لم تتحقق منها بشكل جيد. أنت غبي." تقدم غاريث إلى الأمام بوجهه المحمر. "لقد حُفر شعار حصاني أسفل المقبض, أيّ شخصٍ يعرف العائلة الملكية بشكلٍ جيد, يمكنه معرفة أن هذه السكين تعود لي."
كان يحدّق بفيرث الذي بدت عليه الحيرة بشكل كبير. لقد كان يريد قتله.
"وما الذي فعلتها بها؟" قال غاريث بغضب. "قلي أنها لا تزال معك, أرجوك أخبرني بأنك أحضرتها معك."
شعر فيرث بالخوف الشديد.
"لقد تخلصت منها بشكل جيد, لن يستطيع أحد أن يجدها أبداً."
عبس وجه غاريث.
"أين بالضبط؟"
"لقد ألقيتها في المنزلق الحجري, إلى داخل غرفة القمامة. يتم تفريغ تلك الحاوية كل ساعة, يتم إلقاؤها داخل النهر. لا تقلق يا سيدي, إنها في عمق النهر الآن."
وفجأة قُرعت أجراس القلعة, التفت غاريث وركض إلى النافذة المفتوحة. وقلبه ممتلئ بالذعر. نظر إلى الخارج ورأى الحشود الكبيرة تحيط بالقلعة ويبدو الاضطراب عليهم. لا يمكن لتلك الأجراس أن تعني سوى شيئاً واحداً: أن فيرث لم يكن يكذب, وأن الملك قد قُتل.
شعر غاريث بجسده يصبح كالجليد. لم يتمكن من تخيل أنه قام بهذا القدر من الشر الكبير. وأن فيرث, من بين جميع الناس, قد قام بتنفيذ ذلك.
وفجأة قام أحدهم بقرع الباب بقوة, وتمّ فتح الباب بسرعة. دخل العديد من الحرس الملكي إلى الغرفة, وخلال لحظات تأكد غاريث من أنهم جاؤوا كي يلقوا القبض عليه.
ولكنهم توقفوا وألقوا التحية عليه.
"سيدي, لقد طُعن والدك. وقد يكون هناك قاتل طليق الآن. نرجو منك التأكد من البقاء في مأمن داخل غرفتك. لقد أصيب الملك بشكل خطير."
فُزع قلب غاريث عندما سمع تلك الكلمات.
"أصيب؟" كرر غاريث تلك الكلمة, التي خرجت كالشوكة في حنجرته. "هل لا يزال على قيد الحياة الآن؟"
"نعم, سيدي. نرجو أن يكون الله معه. سوف ينجو ويخبرنا بمن قام بهذا العمل الشنيع."
ومع انحناءٍ صغير خرج الحرس بسرعةٍ من الغرفة, وقاموا بإغلاق الباب خلفهم.
قام غاريث بإمساك فيرث من كتفيه بغضبِ شديد, ثمّ قام بجرّه عبر الغرفة ومدّده على الجدار الحجري.
حدّق فيرث به, بعينيه الواسعتين وهو ينظر برعب ولا يستطيع التكلم.
"ما الذي فعلته؟" صرخ غاريث. "لقد انتهينا الآن, كلانا!"
"ولكن... ولكن... " تلعثم فيرث ولم يستطع التكلم. "كنت واثقاً من أنه قد مات!"
"لقد كنت واثقاً من أشياء كثيرة, وقد تبيّن أن جميعها كان خطأ." قال غاريث.
وفجأة خطرت فكرة على بال غاريث.
"السكين," قال غاريث. "يجب علينا استرجاعها قبل فوات الأوان."
"ولكنني رميتها يا مولاي," قال فيرث. "لقد أصبحت في قاع النهر الآن."
"لقد قمت برميها باتجاه غرفة القمامة, وهذا لا يعني أنها أصبحت في النهر الآن."
"ولكنها على الأرجح كذلك!" قال فيرث.
لم يعد غاريث يستطيع تحمّل هذا الغبي أكثر من ذلك. تركه واتجه نحو الباب, بينما لحق به فيرث.
"سأذهب معك, سأريك أين قمت برميها بالتحديد." قال فيرث.
توقف غاريث والتفت باتجاهه محدقاً به. لقد كان مغطى بالدماء, استغرب غاريث كيف أنّ الحراس لم تنتبه لذلك. لقد كان محظوظاً.
"سوف أقول ذلك مرة واحدة فقط," زمجر غاريث بغضب. "سوف تعود إلى غرفتي حالاً, وتقوم بتغيير ملابسك ثمّ تحرقها. وستتخلص من أي آثار للدماء. ثمّ ستختفي من هذه القلعة, ابقى بعيداً عني هذه الليلة. هل تفهمني؟"
قام غاريث بدفعه إلى الخلف, ثم التفت وركض مسرعاً. انطلق عبر الممر, ونزل على الدرج الحجري الحلزوني, ونزل طابقاً تلو طابق, باتجاه غرف الخدم.
وأخيراً, دخل إلى الطابق السفلي, والتفتت رؤوس العديد من الخدم باتجاهه. كانوا يقومون بتنظيف القدور الهائلة ويغلون سطول الماء الكبيرة. كانت النيران الضخمة مستعرة داخل أفران الطوب الكبيرة, والخدم الذين يرتدون المآزر الملونة, غارقين في عرقهم.
وعلى الجانب الآخر من الغرف, وجد غاريث حاوية القمامة الضخمة. كانت الأوساخ والقاذورات تجري عبر المزلق الكبير وتنسكب فيه كل دقيقة.
ركض غاريث باتجاه أقرب خادم, وأمسكه من ذراعه بشدة.
"منذ متى تمّ تفريغ الحاوية آخر مرة؟" سأله غاريث.
"تمّ نقلها إلى النهر منذ دقائق فقط, مولاي."
التفت غاريث وخرج من الغرفة بسرعة, ركض باتجاه ممرات القلعة, متجهاً إلى درج الطوارئ, ثمّ خرج إلى الهواء البارد.
ركض داخل حقل العشب وهو يلهث, متجهاً إلى النهر بأقصى سرعته.
وعندما اقترب منه, وجد مكاناً للاختباء خلف شجرة كبيرة بالقرب من حافة النهر. كان يشاهد اثنين من الخدم, يرفعون الحاوية الحديدية الكبيرة ويلقونها داخل تيار النهر المندفع.
كان يشاهد ذلك حتى قاما بتفريغ كافة الحاوية إلى داخل النهر, ثم أعادا الوعاء وعادا أدراجهما باتجاه القلعة.
وأخيراً, شعر غاريث بالارتياح. لم يتمكن أحد من رؤية أية سكين. ومهما حصل فقد أصبحت الآن في تيار النهر, تجري بعيداً. وإذا مات والده الليلة, فلن يكون هناك أي دليلٍ لتعقب القاتل.
أم سيكون هناك؟
الفصل الخامس
تبع تور ريس بعد أن دخلا إلى الممر, وكروهن يركض خلفهما, وهم يشقون طريقهم داخل الممرات الخلفية المؤدية إلى حجرة الملك. كان ريس قد أدخلهم عبر بابٍ سري مخبأ في أحد الجدران الحجرية, وقام بحمل مشعل, ثم بدأ يقودهم وهم يمشون خلف بعضهم كطابور واحد داخل المساحة الضيقة للممرات الداخلية للقلعة ضمن الكثير من اللفات والانعطافات التي تصيب بالدوار. صعدا على درج حجريٍّ ضيق يؤدي إلى ممر آخر. ثمّ وجدا أمامهما درجاً آخر, تعجب تور من مدى تعقيد تلك الممرات والمسارات.
"لقد بُنيت هذه الممرات داخل القلعة منذ مئات السنوات," قال ذلك ريس همساً وهم يشقون طريقهم, كانوا يتنفسون بصعوبة أثناء صعودهم تلك الأدراج. "لقد بُنيت من قبل الجد الأكبر لوالدي, الملك ماكجيل الثالث. قم ببنائها كطريقٍ خاصٍ للهروب, بعد أن استمر عليهن حصار لمدة طويلة. ولسخرية القدر, أنّ ذلك الحصار لم يتكرر منذ تلك الفترة, ولم يتم استخدام تلك الممرات لقرون.
لقد كانت مخفية ولكنني اكتشفتها عندما كنت طفلاً. أحب أن استخدمها من وقتٍ لآخر كي أقوم بجولةٍ في القلعة دون أن يعرف أحدٌ مكاني. عندما كنت أصغر سناً, كنا أنا وجوين و غودفري نلعب الغميضة داخل هذه الممرات. كان كندريك كبيراً و غاريث لا يحب أن يلعب معنا. كنا نلعب بدون مشاعل, كانت تلك قواعد اللعب, داخل ظلامٍ دامس. كان ذلك مرعباً في ذلك الوقت."
كان تور يحاول جاهداً أن يتابع ريس ويبقى بالقرب منه, بينما كان ريس يقدم عرضاً مذهلاً لبراعته في عبور تلك الممرات, كان واضحاً أنه يحفظها عن ظهر قلب.
"كيف يمكنك تذكر كلّ تلك الممرات والاتجاهات؟" سأل تور متعجباً.
"يمكنك أن تفعل ذلك عندما تكبر وحيداً في هذه القلعة," أجاب ريس. "خصوصاً عندما يكون الجميع أكبر سناً منك, وتكون أصغر من الانضمام إلى الفيلق, عندها لن تجد شيئاً آخر يمكنك القيام به. لقد جعلت ذلك عملي, أن اكتشف كل زاوية وركن في هذا المكان."
التفا مرةً أخرى, ونزلا على ثلاث درجاتٍ حجرية, ثم دخلا داخل فتحةٍ ضيقةٍ في الجدار. ثمّ نزلا على درجٍ طويل. وأخيراً, أوصلهم ريس إلى بابٍ سيمكٍ من البلوط, معطىً بالغبار. وضع ريس إحدى أذنيه على الباب محاولاً الاستماع. ثمّ تقدم تور إلى جانبه.
"ما هو هذا الباب؟" قال تور.
"اششش," قال ريس.
"سكت تور ووضع أذنه على الباب, مستمعاً. ووقف كروهن خلفهما ينظر إلى الأعلى.
"إنه الباب الخلفي لحجرة والدي," همس ريس. "أريد أن أسمع من يوجد في الداخل معه."
استمع تور وقلبه يخفق بشدة, سمع أصواتاً خافتة خلف ذاك الباب.
"يبدو من الأصوات أن الغرفة ممتلئة," قال ريس.
التفت ريس ونظر إلى تور نظرةً ذات مغزى.
"سوف تكون كالذي يمشي داخل عاصفة. سيكون قادة الجيش هناك ومجلس الشورى والعائلة والجميع. أنا متأكدٌ من أن كل واحدٍ منهم سوف ينظر إليك على أنك القاتل المحتمل. سيكون ذلك كالمشي بين الحشود الغاضبة التي تريد قتلك. إذا كان والدي لا يزال يعتقد بأنك من حاول اغتياله, فستكون انتهيت. هل أنت متأكدٌ من أنك لا تزال تريد القيام بذلك؟"
تنفس تور بصعوبة, إنها الآن أو أبداً. أصبحت حنجرته جافة, بينما أدرك أن هذه ستكون إحدى مفارق الطرق في حياته. ستكون العودة والفرار أمراً سهلاً بالنسبة له الآن. يمكنه أن يعيش حياةً آمنةً في مكان ما, بعيداً عن البلاط الملكي. أو سيدخل من ذلك الباب, وسيقضي حياته داخل زنزانة, مع أولئك المشوهين, أو حتى من الممكن أن يتم إعدامه.
أخذ تور نفساً عميقاً, وأخذ قراره. سيكون عليه ان يواجه شياطينه وجهاً لوجه, لا يمكنه أن يتراجع.
أومأ تور برأسه, كان يخشى أن يفتح فمه ويتكلم, لأنه إذا فعل ذلك من الممكن أن يغير رأيه.
نظر إليه ريس نظرة موافقة, ثمّ دفع مقبض الباب إلى الأسفل بكل قوته.
حدّق تور بعينيه النصف مغمضتين, بينما أصبح الباب مفتوحاً أمامه, وجد نفسه واقفاً في وسط حجرة الملك الخاص, وريس وكروهن يقفان إلى جانبه.
كان هناك على الأقل حوالي خمسة وعشرين شخصاً يقفون حول الملك باكتظاظ. كان الملك ملقاً على سريره, يقف البعض فوق رأسه ويجثو بعضهم على ركبه. كان حول الملك القادة والمستشارون, يقفون إلى جانب كلٍّ من أرجون والملكة وكندريك و غودفري وحتى, جويندولين. كان تلك وقفة موت, وكان تور يتطفل على ذلك الشأن العائلي الخاص.
كان جو الغرفة كئيباً,و الوجوه مكفهرة. كان ماكجيل مستلقياً على سريره ومسنوداً بالوسائد, وشعر تور ببعض الارتياح عندما رآه ما زال على قيد الحياة, على الأٌقل في الوقت الحالي.
تحولت الوجوه في وقتٍ واحد باتجاه تور, مذهولةً بدخول ريس وتور المفاجئ. أدرك تور سبب تلك النظرة المتفاجئة, فقد ظهرا في وسط الغرفة, ومن الباب السري داخل الجدار الحجري.
"هذا هو الفتى!" صاح شخصٌ من الحشد مشيراً إلى تور بكراهية. "إنّه واحدٌ من الذين حاولوا تسميم الملك."
هجم الحراس من جميع أنحاء الغرفة باتجاه تور, وبالكاد كان يعرف ما الذي عليه القيام به. هناك شيءٌ ما في داخله كان يحثّه على الالتفات والفرار, ولكنه يعلم أن عليه مواجهة تلك الجماهير الغاضبة, كان عليه أن يبرئ اسمه أمام الملك. ولذلك استجمع تور قواه, بينما كان الحراس قد ركضوا باتجاهه وأمسكوا به. وكروهن يقف بجانبه ويحاول مهاجمة الحراس بغضبٍ شديد.
بينما كان تور يقف هناك, شعر بحرارةٍ كبيرة ترتفع داخل جسده, بقوةٍ تسري داخل ضلوعه. وبشكلٍ لا إرادي رفع تور إحدى يديه وأطلق طاقته تلك من راحة كفّه باتجاه أولئك الحراس.
وقف تور متفاجأ من الذي حصل, فقد توقف الحراس في مكانهم كما لو كانوا متجمدين. فقد قامت طاقته تلك, مهما كان نوعها, بتثبيتهم في مكانهم.
"كيف تجرؤ على الدخول إلى هنا واستخدام سحرك, أيها الفتى!" صاح بروم, أكبر قادة الملك, وهو يرفع سيفه عالياً باتجاه تور. "أليست محاولة قتل ملكنا مرة واحدة كافيةً بالنسبة لك؟"
اقترب بروم من تور بسيفه المسلول. وبينما كان يفعل ذلك, شعر تور بشيءٍ غريب يتغلب عليه, كان شعوراً أقوى من أي شيءٍ مضى. أغلق تور عينيه ببساطة وقام بالتركيز على سيف بروم, على شكل السيف وعلى معدنه, وبطريقة ما أحسّ أنه السيف أصبح جزءاً منه. وأراد أن يوقف ذلك الشيء في مخيلته.
وقف بروم متجمداً بعينيه المتسعتين, غير قادرٍ على الحراك.
"أرجون!" صاح بروم. "أوقف هذا السحر حالاً, أوقف ذلك الصبي!"
تقدم أرجون من بين الحشد, وأخفض غطاء العباءة على رأسه ببطء. حدّق بتور بشدّة, بعينيه الملتهبتين.
"لا أرى أي سببٍ لإيقافه, لم يأتي إلى هنا لإيذاء أي أحد." قال أرجون.
"هل أنت مجنون؟ سوف يقتل ملكنا!"
"هذا ما كنت أعتقده," قال أرجون. "ولكن ليس هذا ما أراه."
"اتركوه," جاء صوتٌ أجشّ عميق.
التفت الجميع إلى ماكجيل بينما كان يجلس. كان ينظر إليهم بضعفٍ كبير. من الواضح أنّه كان يناضل كثيراً كي يستطيع التكلم.
"أريد أن أرى الصبي. لم يكن هو من قام بطعني, ولم يكن هو دس السم في كأسي. إنّ تور بريء."
وببطء هدء جميع الحراس الموجودين, وقام تور بالاسترخاء قليلاً سامحاً لهم بالتحرك. تراجع الحراس ببطء, وهم ينظرون إلى تور بقلق, كما لو كان من عالمٍ آخر. وببطء أعادوا سيوفهم مرةً أخرى إلى أغمادها.
"أريد أن أراه," قال ماكجيل. "لوحدي, أتركونا جميعاً."
"مولاي," قال بروم. "هل تعتقد بأن ذلك آمن؟ فقط أنت والصبي لوحدكما؟"
"لن يقوم أحد بالاقتراب من تور," قال ماكجيل. "والآن اتركونا, جميعكم. بما في ذلك عائلتي."
خيّم صمتٌ ثقيل في أنحاء الغرفة, بينما كان الجميع يحدقون ببعضهم البعض, غير واثقين مما يجب عليهم القيام به. بينما وقف تور هناك متسمّراً في مكانه, بالكاد قادراً على فهم كل ما يجري.
وواحداً تلو الآخر, بدأ الجميع بالخروج من الحجرة, بما في ذلك أسرة الملك. وغادر كروهن مع ريس. والحجرة التي كانت مليئةً بالناس منذ لحظات, أصبحت فارغة.
تمّ إغلاق الباب. كان هناك الملك وتور فقط, لوحدهما في صمت. بالكاد تمكّن تور من تصديق ذلك. لقد كان يرى ماكجيل ملقاً هناك بوجهه الشاحب, ويتألم بشدة, لقد آلم ذلك تور أكثر من أيّ شيءٍ آخر. لم يكن تور يستطيع فهم الأمر, ولكن كان ذلك كما لو أنّ جزءاً منه كان يموت هناك أيضاً, على ذلك السرير. كان يريد أن يكون الملك بخير أكثر من أي شيءٍ آخر.
"تعال إلى هنا أيها الفتى," قال ماكجيل بصوته الأجش الضعيف, وكأنه يهمس همساً.
أخفض تور رأسه وأسرع إلى جانب الملك, وركع أمامه. مد الملك يده كي يمسك بيد تور, قام تور بأخذ يد الملك وقبلها.
نظر تور إلى الأعلى ورأى الملك ماكجيل يبتسم بصعوبة. تفاجأ تور عندما شعر بتلك الدموع الساخنة وهي تجري على وجنتيه.
"مولاي," بدأ تور مندفعاً وغير قادرٍ على الاحتفاظ بذلك داخله. "أرجوك صدقني, لم أكن أريد تسميمك. عرفت عن تلك المؤامرة من حلمي, بسبب بعض قواي التي لا أعرف مصدرها. أردت فقط أن أقوم بتحذيركم. أرجوك, صدقني."
شدّ الملك على يد تور, وشعر تور بأن عليه أن يصمت.